الأزمة المالية العالمية.. التشخيص والمخرج



أن النظام المصرفي بالنسبة للاقتصاد المعاصر بمثابة القلب من الجسد،
وأن النقود- أي السيولة- تُعدُّ بمثابة الدم الذي يضخه هذا القلب المصرفي في عروق- أي أنشطة- هذا الجسد الاقتصادي،
 ويتكوَّن النظام المصرفي من:
1.    البنك المركزي
2.  المؤسسات النقدية ( البنوك وشركات التأمين وسوق المال)
ويقوم الفن المصرفي على المواءمة أو التوفيق بين اعتبارين متناقضين:
الثقة أو السيولة = العائد أو الربحية
الثقة أو السيولة من ناحية، والعائد أو الربحية من ناحية أخرى؛فالبنك كمشروع اقتصادي يتعيَّن أن يحقق ربحًا لأصحابه المساهمين وكمشروع اقتصادي من نوع خاص بحسب طبيعة نشاطه، وهي التعامل في "الائتمان"، يتعيَّن أن يحافظ على حد معين من السيولة في أصوله حتى يكتسب ثقة المتعاملين معه بأنه يستطيع أن يلبي طلباتهم بالدفع نقدًا عند الطلب، أو بعد ترتيبات معينة.
وعلى ذلك إذا ركَّز البنك على اعتبار واحد من هذين الاعتبارين؛ فإنه يفقد شرط وجوده في السوق المصرفي، فإذا وجَّه جل موارده المالية لمقابلة اعتبار الثقة- أي السيولة- فإن هذه السياسة ستكون على حساب الاعتبار الثاني وهو الربحية، ومن ثم يصبح مشروعًا غير مربح لا مبرر إذًا لوجوده،
 وإذا وظف جل موارده في أصول مثمرة؛ أي مدرَّة لعوائد مرتفعة نسبيًّا كالأوراق المالية طويلة الأجل؛ أي الأسهم والسندات والقروض والسلفيات، سيكون ذلك على حساب السيولة، وبالتالي الثقة؛ حيث سيفقد ثقة عملائه لأنه لن يستطيع أن يستجيب لطلباتهم بالدفع نقدًا، ومن ثم يفقد مبرر وجوده كمؤسسة نقدية..
وعليه يتأسس الفن المصرفي في أن يشكِّل البنك مجموع أصوله؛ بما يضمن له السيولة الكافية مع الربح المناسب، وعادةً ما تتراوح
نسبة الأصول السائلة ما بين (30%)إلي (40%) من مجموع الأصول الكلية للبنك.

إدارة مخاطر الائتمان
وبالنسبة للأصول قليلة السيولة أو المثمرة؛ يتعيَّن على البنك أن يتوخَّى في تكوينها تقليل "مخاطر" الائتمان بقدر الإمكان، فيكوِّن محفظة أوراقه المالية من أوراق "جيدة"، ويختار عملاءه "المقترضين" بدقة، وفقًا لمعايير معروفة من استعلام عن العميل، خاصةً مركزه المالي وسمعته الائتمانية، بل سمعته الشخصية، بالإضافة إلى أخذ ضمانات؛ أي رهن يغطي، إن لم يزد عن قيمة القرض؛ للرجوع إليه عند عدم السداد في تاريخ الاستحقاق، وهذا ما يطلق عليه الاقتصاديون النقديون :  "إدارة مخاطر الائتمان".
وأخيرًا تتطلب الإدارة الرشيدة للبنك أن تكون موارده الذاتية- أي رأسماله المدفوع والاحتياطيات والمخصصات- "كافيةً" لمقابلة المخاطر المحتملة لقروض "رديئة"؛ أي مشكوك فيها أو معدومة، على
(رأسمال المدفوع +الاحتياطيات+المخصصات )  تقابل (القروض "رديئة"؛ أي مشكوك فيها أو معدومة)
 أن تشكِّل هذه الموارد نسبةً تتراوح بين (8%) إلى (15%) من إجمالي الأصول "عالية المخاطر".

البنك المركزي
ومن أهم وظائف البنك المركزي الرقابة والإشراف، بل التفتيش على أن البنوك تتقيَّد بهذه المتطلبات، وتلتزم في عملها بهذه القواعد، والتي نسميها في العرف المصرفي بالسياسات المصرفية؛ إذًا هذه السياسات هي:
*                    سياسة إدارة السيولة والربحية.
*                                                  سياسة إدارة مخاطر الائتمان.
*                                                                   سياسة كفاية رأس المال.





الأزمة
 The crisis
الأزمة التي يعيشها العالم الآن بعامة، وتعيشها الولايات المتحدة الأمريكية بخاصة، نجمت عن
1.    عدم الالتزام غير المسئول، بل المتعمد، بهذه المتطلبات من قبل البنوك، ومن الإهمال غير المسئول،
2.     عدم الاكتراث الذي يكاد يكون متعمَّدًا طوال السنوات الست الماضية وحتى الآن، من قبل الاحتياطي الفيدرالي؛ أي البنك المركزي- الأمريكي- في القيام بواجباته الإشرافية والرقابية والتفتيشية، ومن ثم وقعت الأزمة المالية الحادة، والتي امتدت إلى الدول الأوروبية، ودول جنوب شرق آسيا واليابان والصين ثم الدول النامية، تنذر بكساد عالمي يصغر أمامه تمامًا الكساد العالمي العظيم في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن الماضي!.
3.    الجري وراء "أقصى" ربح وأسرعه؛ أفرطت المؤسسات النقدية في تقديم كمٍّ ضخمٍ للغاية من القروض للأفراد، وبالذات في مجال الرهن العقاري، دونما دراسات استعلامية تُذكر عنهم، ودونما اعتبار للسيولة وكفاية رأس المال؛ مما أدى إلى تعثر الكثير من المقترضين عن السداد، في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار العقارات، ومن ثم غرق المواطنون في الديون، وأصبحت المؤسسات النقدية على مشارف الإفلاس، وساعد على هذا الوضع المأزوم أربعة عوامل:
الأول : يتمثل في شبه غياب الرقابة من قبل السلطات النقدية على العمل المصرفي، خاصةً أن أكثر من أربعة أخماس هذا العمل كان يتم "خارج بنود الميزانية"، وبالتالي لا يخضع رسميًّا للرقابة، رغم علم هذه السلطات بهذه الحقيقة، وعليه كان ذلك أدعى أن تعمل على إخضاع هذا النشاط لرقابتها.
والثاني :يتركز في المضاربات- أي المقامرة- المحمومة في "وول ستريت"، والتي تتصاعد بلا ضابط ولا رابط ولا منطق، كلما تقلَّصت "الثقة" في السوق وفي الاقتصاد.
والثالث يدور حول انتشار استخدام أدوات مالية مبتكرة، يرفضها بالطبع شرعُنا الحنيف، وهي المشتقات  :  المستقبليات والخيارات والتحوطات ضد تغيير سعر الفائدة؛ أي المتاجرة في المخاطر؛ فقامت هذه الأدوات على إعادة بيع القروض العقارية، وغيرها من القروض، المشكوك فيها في شكل أوراق مالية، وتم تداول هذه الأوراق، وتنطوي بالطبع هذه المعاملات على محظورات يحرمها نظامُنا الإسلامي؛ فهي بيع الإنسان ما لم يملك، وبيع الدين بالدين، كما تنطوي على غررٍ أي جهالة كبيرة، وبعضها ينطوي على "ربا" صريح.
والرابع ينحصر في فساد الإدارة العليا في كثير من هذه المؤسسات؛ مما جعلها لا تهتم كثيرًا بالقواعد المصرفية قدر اهتمامها بالمرتبات الخيالية التي كانت تتقاضاها؛ فمثلاً بلغت مرتبات ومكافآت رئيس بنك "ليمان براذرز" (486) مليون دولار عن عام 2007م.

ومن ثم بدأ الانهيار، وبدأ التدخل الحكومي، فمثلاً أعطت الإدارة الأمريكية ضماناتٍ لمساعدة "جي بي مورجان"  على شراء  "بيرسترنز"  وتركت  "ليمان براذرز"  يعلن إفلاسه لعدم ملاءته، وتدخلت تأميمًا لإنقاذ  "فريدي ماك"   و  "فاني ماي"   و "آي إيه جي"،  ثم أغلقت أخيرًا    "واشنطن ميوتيوال"، وانتقلت عدوى الإفلاسات والتأميمات إلى دول أوروبا الغربية، وبالذات إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ولكسمبرج.



ووصل النظام المصرفي الأمريكي في النهاية إلى درجة من فقدان "الثقة"؛ أدت إلى حــــــالة من
"التجمد الائتماني"،
فلا يوجد أي إقراض واقتراض بين البنوك، ولا يوجد أي إقراض لقطاع الأعمال أو المستهلكين، ومن ثم توجد حالة شلل يكاد يكون كاملاً في التيارات النقدية "المحركة" للتيارات الحقيقية؛ أي للنشاط الاقتصادي "العيني"، خاصةً إذا أضفنا إلى ذلك الإحجام شبه الكامل من المستهلك الأمريكي عن الإنفاق خوفًا من واحتياطًا للطوارئ في المستقبل، وهنا تكون بداية الانهيار الكبير، ليس في سوق المال فحسب، وإنما أيضًا في أساسيات الاقتصاد.
ولعل هذا الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى الإسراع بخطة الإنقاذ والبالغة (700) بليون دولار، وهذه الخطة في رأي كثير من المتخصصين لا تعالج جذور الأزمة ومسبباتها، وإنما تتصدَّى لأعراض ومظاهر هذه الأزمة، وبالتالي، قد لا تُحدث الأثر المطلوب والمأمول، وتتلخَّص جذور الأزمة في فوضى الجهاز المصرفي، وعليه.. لإعادة الانضباط إلى هذا الجهاز كي يؤدي وظيفته الحيوية؛ يتعيَّن تقويم وتطوير قواعد عمل الوحدات المصرفية وأدوات الرقابة عليها، ومحاسبة المسئولين عن هذه الأزمة، ثم العودة إلى سياسات مصرفية منضبطة حول:
1-إدارة السيولة والعائد.    2- إدارة مخاطر الائتمان   3- إدارة كفاية رأس المال.
نحن هنا، لا نتكلم عن بازل (1) وبازل (2)، ولكننا بالقطع نتكلم عن بازل جديدة تمامًا؛ إذ إن الأزمة تجاوزت "كل" الترتيبات السابقة، والتي كانت تهدف إلى تحسين أداء الأنظمة المصرفية، ولعل القمة الأوروبية المصغرة، والتي عُقدت بباريس منذ أيام عندما نادت بضرورة عقد "مؤتمر دولي عاجل" لبحث الإصلاح المصرفي في العالم.. تشير إلى هذا الاتجاه.
لا شك أن ما تعرَّض له النظام الرأسمالي خلال الأسابيع الماضية يشكِّل تحديًا حقيقيًّا لبعض ثوابته الرئيسية؛ مثل: الحرية الاقتصادية، والدولة الحارسة غير المتدخلة في النشاط الاقتصادي، فالذي يحدث الآن هو "تدخل" شديد العمق وشديد الوضوح؛ ليس من السلطات النقدية فحسب، بل من السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ولقد سُميت خطة الإنقاذ على اسم وزير الخزانة الأمريكي؛ أي خطة "بولسون"؛ ولذلك دفاعًا عن هذا النظام، وقَّع أكثر من (50 )اقتصاديًّا أكاديميًّا على وثيقة ترفض هذا التدخل وترفض هذه الخطة؛ بحجة أن هذه الخطة جاءت لمكافأة المسيء الفاسد، ويتحمَّل تكلفتها المواطن الأمريكي العادي؛ الذي لا يعدُّ بأية حال مشاركًا في صنع هذه الأزمة، وإن كان يتحمل كل تبعاتها، وفي الوقت نفسه، يرى الموقِّعون أن النظام قادر على أن يصحِّح نفسه بنفسه، وإن كان هذا الرأي محلَّ جدل كبير وشك أكبر.
ولقد علَّق أحد الاقتصاديين الأمريكيين على التدخل الحكومي الحادث الآن في النشاط الاقتصادي بالقول:"مرحبًا بكم في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية الأمريكية"، بينما يرى الآخر ناقدًا هذا التدخل بالقول: "لقد تسبب أباطرة "وول ستريت" في تلويث الاقتصاد بقروض الرهن العقاري الفاسدة، وعليهم أن يتحملوا تكاليف التنظيف".وأخيرًا.. ما العلاج حتى نجنِّب العالم كسادًا عالميًّا عظيمًا يقع عبؤه لا محالة على الطبقات الفقيرة والدول الفقيرة؟ رغم صعوبة هذا السؤال إلا أن إجابته تدور حول المحاور التالية:
1.    وقف المضاربات، أي المقامرة، وبالذات المشتقات.
2.    محاسبة المسئولين عن هذه الأزمة في الجهاز المصرفي.
3.    تشديد رقابة البنك المركزي على العمل المصرفي بعامة وعلى ضخ الائتمان بخاصة.
4.    تفعيل السياسات المصرفية بحزم وصرامة، خاصةً فيما يتصل بإدارة السيولة والعائد، ومخاطر الائتمان، وكفاية رأس المال.
5.    - الاستمرار في ضخِّ السيولة في شرايين الاقتصاد حتى لا تنهار أساسيات القاعدة الإنتاجية.


وأخيرًا وليس آخرًا، التفكير الجاد في دراسة تطبيق النظام الإسلامي؛ البعيد عن سعر الفائدة "الربوي"، والقائم على معدل الربح كأداة فاعلة لإدارة النشاط الاقتصادي المعاصر، والذي يستند إلى القيام باستثمار "حقيقي" لتوسيع القاعدة الإنتاجية، وليس على أساس استثمار مالي قوامه المضاربات؛ أي المقامرات والاستغلال والفساد،
وليتذكر منظِّرو الاقتصاد الرأسمالي ما قاله الاقتصادي الأمريكي "سيمونز" بأن الكساد العالمي العظيم في الثلاثينيات من القرن الماضي يرجع إلى "تغيرات الثقة الناشئة عن نظام ائتماني غير مستقر"،
وأن "خطر الاضطراب الاقتصادي يمكن تفاديه إلى حدٍّ كبيرٍ إذا لم يتم اللجوء إلى الاقتراض، وإذا ما تمت الاستثمارات كلها في شكل تمويل ذاتي وبالمشاركة.


"إنها كبيرة "الربا" وراء كل الشرور الاقتصادية"، التي تعاني منها البشرية؛ ولذلك لعلمه الأزلي بمن خلق وهو اللطيف الخبير؛ أعلن سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم حربًا على مقترفها؛ حتى تُطّهر المجتمعات البشرية بالابتعاد عنها؛ إذ يقول سبحانه  :
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ* وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون  { [1]












أين تبخرت كل تلك الأموال؟ ومن حصل عليها؟

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية
CNN  تبخرت ترليونات الدولارات من أسواق المال الأمريكية والعالمية، وكذلك من صناديق التقاعد، وكذلك مليارات الدولارات على شكل مدخرات وغيرها.. كلها تبخرت وذهبت كما يبدو إلى غير رجعة وسط أزمة النظام النقدي العالمي.

لقد فقد آلاف وعشرات آلاف الناس أموالهم، التي كانت على شكل أسهم ومدخرات واستثمارات، ولكن السؤال الأهم هو، أين ذهبت؟ ومن يمتلكها الآن؟

ذلك أنه بحسب الربح والخسارة، وبحسب مفهوم التجارة البسيط، إذا خسرت أموالك فلا بد من أن هناك من ربحها، ولكن من هو في هذه الحالة،

وأين صبت تلك الأموال؟ أم تبخرت بكل بساطة؟

وفي حال قررت تتبع أموالك المفقودة وتحديد من يمتلكها حالياً، وربما محاولة استرجاعها، فقد تصاب بخيبة أمل إذا علمت منذ البداية أن أموالك لم تكن
أموالاً حقيقة.

فالأموال في أسواق المال والأسهم، ليست أموالاً حقيقية، وسعر السهم لم يكن أبداً مالاً نقدياً، وإنما هو مجرد "قيمة" لهذا السهم أو ذاك، ليس أكثر، وفقاً للمحلل المالي والخبير الاقتصادي، روبرت شيلر.

وقال شيلر: "المسألة هي في عقول الناس، فقد انتهينا للتو من تسجيل معيار لما يعتقده الناس حول قيمة سوق المال، وأولئك الذين يعملون فيها، وهم قلة من الناس."

ويوضح الخبير الاقتصادي المسألة كالتالي: يخمّن أحدهم قيمة منزل حالياً بأنها تصل إلى 350,000 دولار، بينما كانت قبل أسبوع واحد تصل إلى 400,000 دولار، ويشرح قائلاً "بمعنى آخر، فإن الفارق في القيمتين، أي 50,000 دولار، اختفت وتبخرت، ولكن العملية كلها عملية عقلية فقط لا أكثر ولا أقل.

وقيمة السهم أو المنزل ليست في جيبك بالتأكيد، ولكن أن تنخفض قيمتها، فهذا يشكل خسارة أموال بالطبع، كان من الممكن أن تستخدمها لو كانت على شكل سيولة نقدية أو لو أنك قمت بعملية البيع لهذه الأسهم أو لهذا المنزل.

وفي الواقع، فإن أولئك الذين كانوا يعتمدون على بيع تلك الأسهم أو ذلك المنزل في هذه الفترة، فإن عدم قيامه بالبيع والشراء قبل الأزمة يشكل خسارة حقيقية، رغم أنها في النهاية خسارة نظرية أو افتراضية.

ويقول أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، دايل جورغينسن، إن الخطأ الأكبر الذي يقع فيه الناس هو اعتقادهم أن تلك" الأموال الافتراضية" تعادل قيمتها المادية في حال السيولة النقدية، فهي ليست كذلك أبداً.


ويوضح: "هناك فرق واضح بين الأمرين، إذ في حين أن الأموال الحقيقية في محفظتك لا يمكن أن تتبخر في الهواء، فإن الأموال التي 'كان من الممكن أن تحصل عليها إذا بعت منزلك' يمكنها أن تتبخر فعلاً، فهي لم تعد مطروحة أو متوافرة حالياً.

ويبين جورعينسين قائلاً: "لا يمكنك الاستمتاع بمزايا وفوائد استثمار تبخر، فإذا انخفضت قيمة ملكيتك من الأسهم بنسبة
80 %، فإن هذه الخسارة مستمرة، ذلك أن أولئك الذين كانوا يستثمرونها اختفوا ولن يعودوا، وسينجم هنا كساد مالي كبير."


وقبل ظهور الأموال الورقية في الصين في القرن التاسع الميلادي، لم يكن هناك من يمكنه أن يقلق على ما سيحدث للأموال،
 فالأموال شيء معلوم له قيمة حقيقية، مثل العملات الذهبية.

وفي ذلك الوقت، إذا اختفت أموالك فجأة، فلا بد من سبب وراء ذلك، وهو أنك أنفقتها، أو سرقها أحد منك، أو أضعتها.

ولكن في هذه الأيام، فهناك الكثير من الأمور التي لها قيمة مادية ولكن لا يمكنك أن تحملها بيدك، مثل استثمار أموالك في سوق الأسهم، والتي يمكنك تتبعها، حيث ترتفع قيمة هذه الأموال، وربما تستطيع أن تبيعها بربح إن أردت عندما ترتفع قيمة تلك الأسهم.



ومع انتفاء الثقة بتلك الأسواق، وبالنظام المالي، فإن الكثير من المستثمرين سيبيعون بأي سعر للحد من الخسارة، وهنا فإن قيمة استثمارك تكون قد تبخرت، وخلال هذه العملية فإنك تفقد ثروتك.

ولكن هل هذا يعني أن هناك بالضرورة من حصل على تلك الأموال الافتراضية التي كانت بحوزتك؟

بالطبع، لا

إذ ببساطة فإن قيمة الأموال هنا تضاءلت، ومن كان يقوم بالاستثمار والمضاربة خسروا رهانهم بعد أن خاطروا، وهم الآن يعانون جراء تلك المخاطرة.



[1] البقرة: 278: 280)

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدى مسئولية المراجع الخارجي عن اكتشاف الخطأ والغش والتصرفات غير القانونية بالقوائم المالية

أدلة وقرائن الإثبات في المراجعة

نظام ABC النشأة ، الأهمية ، إجراءات التطبيق