الهندسة المحاسبية الأصل والأثر

الهندسة المحاسبية الأصل والأثر

د. حكمت أحمد الراوي

لم نسمع عن “الهندسة المحاسبية” من قبل إلا القليل في المقالات وفي المحاضرات. ولكن من أين جاء هذا العنوان؟ وهل يحق القول “الهندسة المحاسبية”؟ وما المقصود به؟ وهل يمكن تعميمه؟ فقد سبق للعلوم الادارية ان عرفت الهندسة البشرية كاصطلاح أمريكي في الوقت الحاضر، وهو ما يختص بدراسة قدرات الانسان وحدوده في تأدية العمل العقلي والجسدي الذي يكلف القيام به في بيئات مختلفة. وفي حقل الصناعة يعني العمل العقلي والجسدي الذي يكلف القيام به في بيئات مختلفة. وفي حقل الصناعة، يعني علم دراسة الطاقات بتطبيق المعارف الخاصة “بعلم التشريح” و”علم الوظائف” و”علم النفس” لتحسين فعالية الفرد وزيادة رفاهيته عن طريق تصميم البيئة واعدادها ومراقبتها بعناية ودقة، وكما سبق القول يعرف هذا العلم حاليا بالهندسة البشرية كمصطلح أمريكي، وهناك تعريف آخر ل “هندسة الأساليب” وهو اصطلاح يتضمن:

1
مصطلحاً أمريكياً ابتكره مجلس هندسة الاساليب لوصف فرع من فروع الهندسة الصناعية يعنى بدراسة الأساليب.

2
يستعمل المصطلح أحيانا بمعنى مرادف لمصطلح دراسة العمل والذي يعني عبارة التنظيم والأساليب.

وعلى الرغم ان للمحاسبة تاريخاً طويلاً لكن عمر هذا العلم قصير، وأول تعريف له: هو علم توفير المعلومات لاغراض اتخاذ القرار. وهكذا أصبح هذا العلم يتضمن العديد من المفاهيم في المحاسبة الحكومية، والإدارية، ومحاسبة الكلفة، والشركات، والمالية، وغيرها من المواد وجميع هذه المواد تدرس في الجامعات من حيث المعالجات التاريخية، ولحد الآن يفكر بها كونها أفعالاً وأعمالاً عن معالجات محاسبية لفترة أو فترات قديمة، ولا يتصور كون المحاسبة افعالاً وأعمالاً لاحقة، أو كونها تصميمية،أو أفعالاً مستقبلية، أو المقصود كونها هندسة تصميمية. ولكن كيف يمكن تصور هذه المادة هندسة تصميمية مستقبلية؟ وهنا يمكن طرح السؤال التالي:

ما هو حجم الأعمال الملقاة على المحاسب في المستقبل؟ أو عدد المواد المحاسبية التي تدرس المعالجات المستقبلية؟ والجواب عن هذا السؤال يعني الكثير من الأعمال أو العمليات المستقبلية على عاتق المحاسبة، أي تحويل الفكر المحاسبي من كونه عمليات أو معالجات تاريخية، الى كونه حجم عمليات أو حجم معالجات محاسبية مستقبلية كبيرة جدا، أو حجم تصميم عمليات أو معالجات محاسبية كبيرة جدا، اذن كيف يكون هذا التصور على المواد التي يعتقد كونها محاسبات حكومية، أو إدارية، أو من حيث التكلفة، أو مالية؟ وللجواب عن هذا السؤال كونه وجهة نظر لفكر المحاسبين، وقبل هذا لا بد من معرفة مفهوم “الهندسة”: فهو العلم التطبيقي للرقابة واستخدام القوة باستعمال المكننة والتقنية والعمل والاحتراف الهندسي. أما “المهندس” فهو الشخص الذي يمتهن هذا العمل ويقوم بتصميم المكائن والآلات والجسور وطرق السكك الحديد والموانئ وغيرها. ويقوم المهندس بالمهارة المكتسبة من خلال التدريب الشخصي المستمر لمختلف الأعمال. وكون المحاسب يحمل مفهوم هندسة المحاسبة من خلال مواد المحاسبة الحكومية التي تحمل هندسة المحاسب بتصميم الموازنة الحكومية السنوية، وجميع نظريات المحاسبة الحكومية كبرامج الأداء ونظام موازنة التخطيط والبرمجة، والموازنة الصفرية. تتخذ جميعها تصميماً واحترافاً ورقابة وتقنيات لما يتم في الواقع من نشاطات انشاء طرق وسكك حديد وغيرها، ولأهميتها النسبية لبنود الموازنة التقديرية من اموال ومصادر اموال كبيرة للتخطيط المستقبلي للدولة.

وتدخل مادة المحاسبة الادارية في فكرة هندسة المحاسبة كونها تحمل مفهوم تصميم وتصور مستقبلي للموازنات التخطيطية للمنشآت. وقد تتجاوز هذه الموازنات اكثر من عشرين موازنة. ونقطة التعادل أو المفاضلة بين بدائل التكاليف والتخطيط للتخزين وغيرها من فكر هندسة المحاسبة. وتعتبر محاسبة التكاليف اقرب انواع المحاسبات الى هندسة المحاسبة من خلال ما تحمله من مفهوم التخطيط للوصول الى كلفة الوحدة الواحدة أو التكاليف المعيارية وفروعها المختلفة التي تبغي الوصول من خلال المهندسين والمحاسبين المحترفين في هذا المجال الى قواعد ومبادئ محددة يمكن بموجبها ان تكون مقاييس ثابتة للمستقبل.

من أهداف المحاسبة الدولية الوصول الى اتساق في المبادئ والقواعد المختلفة لخدمة المستثمر الأجنبي والمحلي. وهناك العديد من المعايير الصادرة بهذا الخصوص، فهي هندسة تصاميم مستقبلية تتطلب التطبيق والتقنية والاحتراف من قبل الممتهنين أو الأكاديميين في مجال المحاسبة لعرض نتائج أعمال موحدة على قدر واسع في كافة المجالات المختلفة المستقبلية والتي يمكن تسميتها العولمة مستقبلا.

مادة تقييم جدوى المشروعات فرع مهم من فروع المحاسبة والتي تتضمن أهداف تقييم وتصميم جدوى المشروعات المحاسبية في احتساب القيمة المالية للتكاليف المستقبلية للمشروعات لاستثمار الأموال من قبل القطاع الخاص والعام، وهناك العديد من الأساليب الاحصائية والرياضية المستخدمة من قبل المحترفين في مجال المحاسبة. وكذلك اقتراح المعالجات المحاسبية في السجلات وصولا الى درجات تقارير مالية ذات تقنيات أقرب الى الحقيقة والواقع الفني الهندسي. واستخدام أدوات التحليل المالي في كافة المواد المحاسبية ما هي إلا هندسة محاسبية.

فأكاديمياً يعتبر المحاسب ذا تفكيرين حول اداء المعالجات المحاسبية فهو يقوم بالعمل المحاسبي للفترات التاريخية بموجب مبدأ التكلفة التاريخية وكذلك يفكر بما سيقوم به في العمليات التالية أو اللاحقة. وبموجب هاتين الحالتين يظهر المحاسب مهنياً خصوصاً في التفكير بالمعالجات المحاسبية غير التقليدية لأسباب عديدة منها حاجة المحاسب للخروج عن اتباع مبدأ الكلفة التاريخية، واستخدام أساليب المعايير المحاسبية الحديثة التي طرحتها المنظمات المحاسبية في النشاطات الهادفة الى الربح. أما في النشاطات غير الهادفة الى الربح فالمحاسب يقوم بالمهمتين معا لأنه يطبق نظرية الأموال المخصصة أي المهمات النقدية وغير النقدية لتحقيق الأهداف المطلوبة من قبل الوحدة الإدارية، فتظهر هندسة المحاسبة أكثر وضوحا في النشاطات الكبيرة، حيث يتم فصل هيكل ووظيفة هذه الأنشطة بشكل واضح.

وتقييم جدوى المشروعات من الموضوعات الواضحة في هندسة المحاسبة كما هو في المحاسبة الادارية والتكاليف المعيارية والتطبيقات المحاسبية ذات العلاقة بالمستقبل. كل هذه المواد تتطلب محاسباً متخصصاً اكثر من كونه محاسباً يفكر تقليديا، مهمته تصوير الميزانيات أو القوائم المالية. ولا ننسى أن مهنة التدقيق هي مهنة هندسة محاسبية من وجهة نظر المدقق من خلال ابداء الرأي الفني المحايد حول الميزانيات في آخر السنة وهذه المهمة تقع ضمن هندسة المحاسبة عندما يفكر المدقق في عملية رسم مستقبلي للوصول الى ابداء الرأي حول تقريره الفني السنوي، فهو يقوم بوضع خطة واجراءات عمل تدقيق أولي لعمليات وبرامج اجراءات تنفيذ هذه العملية. وعلميا استخدمت مهنة التدقيق العديد من الأساليب الحديثة ذات البعد التدقيقي والاحصائي المستقبلي لمهنة المدقق.

ماذا يعكس هذا العنوان “هندسة المحاسبة” على نظرية المحاسبة؟ قد يكون الجواب بشكل أولي ومختصر على الرغم من ممارسة المحاسبة من الناحية الفنية منذ القدم ومنذ قدم الإنسان فإن علم المحاسبة يعتبر من العلوم الحديثة، والمحاسبة تعتبر وجها لأي نشاط في المشروعات، أما الوجه الآخر للنشاط فهو في الصحة والتربية والخدمات وغيرها. وظهور نظرية المحاسبة جاءت لتحل العديد من المسائل التي واجهت العمل الفني والاحترافي والمهني في المحاسبة. واختلف عليها المفكرون من حيث النشأة والأثر فهي على كل حال تعكس الماضي والحالي والمستقبل. أما هندسة المحاسبة فهي التفكير والتطبيق المستقبلي لمهنة وعلم المحاسبة على الرغم من ظهور نظرية المحاسبة بعد الستينات، وهي تعتبر الممارسة والمهنة. والنظريات المحاسبية الحديثة تعد مساهمة مع العلوم الأخرى كقيام منظري المحاسبة باستخدام الأساليب المنهجية لعلم المحاسبة حيث ادخل العديد من العناصر لهذه النظرية من أهداف ومفاهيم وافتراضات وصولا الى المبادئ ومن ثم تعميمها على الواقع، فاصبحت لها منهجية وأساليب استخدام احصائي تحذو حذو العلوم الأخرى. وبهذا التصور أصبحت المحاسبة هندسة للتفكير والتصميم المستقبلي لقوى ووسائل ومتغيرات عديدة مؤثرة في نقل هذه النظريات، وبهذا أصبحت عولمة كما هي العلوم الأخرى في مفهوم الهندسة.

استاذ جامعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدى مسئولية المراجع الخارجي عن اكتشاف الخطأ والغش والتصرفات غير القانونية بالقوائم المالية

الشرح المبسط لطريقة سمبلكس simplex

نظام ABC النشأة ، الأهمية ، إجراءات التطبيق