تحليل الافتراءات والانتقادات التي توجه إلى المصارف الإسلامية والرد عليها


تحليل الافتراءات والانتقادات التي توجه إلى المصارف الإسلامية والرد عليها .

ما أن ظهرت المصارف الإسلامية وطابت ثمارها وبرزت النتائج الإيجابية لها بدأت حملة التشكيك والافتراءات عليها مستغلة فى ذلك بعض أخطاء التجربة ، والقصور فى أساليب الدعوة إليها ، ومما لا شك فيه أن بعض من هذه الانتقادات له أساس من الصحة ويجب على القائمين على أمر المصارف الإسلامية دراستها والاستفادة منها فى مجال تصحيح المسار دون حرج أو تردد ، كما يجب الالتزام بالفتاوى الشرعية القوية والصادرة من مجامع الفقه الإسلامى وتجنب الآراء الفردية والتي تعتمد على أدلة ضعيفة .

وفيما يلي أهم هذه الافتراءات والانتقادات مع التعليق عليها :

أولاً : القصور فى أداء بعض الخدمات المصرفية بالمقارنة مع البنوك التقليدية ، فكثير من العملاء ينتقدون المصارف الإسلامية من زاوية انخفاض مستوى أداء الخدمات المصرفية وبطئها ، ولقد ترتب على ذلك أن ترك بعضاً منهم المصارف الإسلامية وارتدوا إلى البنوك التقليدية الربوية .

ربما يكون فى هذا الانتقاد بعض الصحة وهذا يرجع إلى عدة أسباب من بينها ما يلي:

1
ـ نقص الإمكانيات الفنية بالمصارف الإسلامية ولاسيما أنها مازالت فى الأطوار الأولى بالمقارنة مع البنوك التقليدية والتي يزيد عمرها عن 300عاماً .

2
ـ نقص الكوادر الإدارية والمالية المدربة والمؤمنة عقائدياً برسالة المصارف الإسلامية مع كبر حجم النشاط عن ما كان متوقعاً .

3
ـ التأخر فى استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة فى بعض المصارف الإسلامية مثل الحاسب الآلي ووسائله الحديثة وأساليب الاتصال الحديثة فى أداء الخدمة المصرفية .

ويتطلب الأمر تطوير وتنمية الخدمات المصرفية فى المصارف الإسلامية مع الاستفادة بالتقدم التكنولوجي والعلمي على وجه الخصوص ولقد أخذت بهذا الاتجاه حديثاً بعض المصارف الإسلامية .

ثانياً : بيوع المرابحة لأجل لأمر بالشراء : يرى البعض أن الزيادة التي يحصل عليها المصرف الإسلامى والتي يطلق عليها ربحاً تعتبر رباً ، ولا يختلف هذا عما تمارسه البنوك التقليدية ، والمسألة لا تعدو أن تكون تحايلاً على شرع الله U ، ووسيلة لاجتذاب العملاء تحت ستار الدين .

لقد أجاز فقهاء المسلمين بيع المرابحة لأجل للأمر بالشراء ، وقد أيدوا رأيهم بالأدلة الشرعية المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية ، وليس هذا هو المجال لمناقشة ذلك تفصيلاً ولكن هناك أخطاء شرعية فعلاً فى بعض المصارف الإسلامية عند تنفيذ بيوع المرابحة . يجب أن تصوب وسوف نتناولها فى الفصل الرابع من هذا الكتاب والمسألة لا تعدو إلاّ تقصير بعض الموظفين .

ثالثاً : يقول البعض أن المصارف الإسلامية تحتفظ بأرصدة فى حساباتها الجارية مع مراسليها فى البلاد التي لا توجد بها مصارف إسلامية ، إن هذا الأمر يثير العديد من الاعتراضات والشبهات حيث أن العامة من الناس وكذلك أعداء الإسلام يروجون شائعات منها : أن المصارف الإسلامية تتعامل مع البنوك الأجنبية والتقليدية وتودع أموالها لديها بفائدة .

ويتطلب الرد على هذه الشبهة بيان الأسباب التي تجعل أو تحتم على المصارف الإسلامية التعامل مع البنوك التقليدية ، كما يجب أن يوضح للناس أن المصارف الإسلامية لا تتقاضى فوائد وإن تقاضتها فإنها لا تضيفها إلى أرباحها وإنما تنفقها فى وجوه النفع العام للمسلمين وليس بنية التصدق أخذ بالفتوى الراجحة فى هذا الشأن .

رابعاً : يردد البعض بأن بعض المصارف الإسلامية تستثمر جزءاً من أموالها فى البلاد غير العربية و غيرالإسلامية, وهذا واقع فعلاً حيث نجد بعض المصارف الإسلامية تقوم باستثمار جزءاً من أموالها في مشروعات تجارية فى خارج البلاد الإسلامية مثل سويسرا وألمانيا وأمريكا ، ويبرر القائمون على شئون المصارف الإسلامية أنها قد تلجأ إلى هذا النوع من الاستثمار فى حالة ارتفاع مستوى السيولة ، وكذلك لتنويع مجالات الاستثمار لتقليل المخاطر ، ويكون ذلك غالباً فى مجال التجارة وفى المعادن والسلع وفى سوق الأوراق المالية طبقاً لأحكام البيوع الإسلامية .

ونرى أن هذه المبررات ليست قوية إذا ما قورنت بمساوئ وسلبيات استثمار أموال المسلمين فى بلاد غير إسلامية ، ففى ذلك تدعيماً لاقتصادياتها ، ويجب أن يكون خير المسلمين للمسلمين .
خامساً : الاعتراض على أن عائد الأموال المستثمرة بواسطة المصارف الإسلامية أقل مما توزعه البنوك التقليدية أو قريباُُ منه ، كما أن أصحاب الأعمال يرون أن تكلفة الأموال المأخوذة

من المصارف الإسلامية أعلى بكثير من تكلفة الأموال المـأخوذة من البنوك التقليدية .

كما سبق الإشارة من قبل فى مواطن كثيرة أن الفكر الربوى مازال مهيمناً على عقلية معظم أصحاب الأموال ( أصحاب الحسابات الاستثمارية ) وعلى بعض أصحاب الأعمال ( الذين يشغلون الأموال ) الذين يتعاملون مع المصارف الإسلامية ، فيتوقع المستثمر أو يأمل أن تكون أرباح أمواله المستثمرة على الأقل مساوية للفائدة الربوية التي كان من الممكن الحصول عليها لو أنه أودع ماله فى بنك ربوى ، كما يتوقع صاحب المشروع الاستثماري أن لا يدفع للمصرف الإسلامى ( المضارب ) من الأرباح من الناتجة عن نشاط المشروع أكثر من الفائدة الربوية التي كان من الممكن دفعها لو أنه كان قد اقترض المال من بنك ربوى .

وللتغلب على هذا الانتقاد يلزم أن تكون هناك توعية فكرية لهؤلاء وهؤلاء حتى يعيدوا النظر فى حساب العائد الحقيقي للأموال المستثمرة والتكلفة الحقيقية لرأس المال وأن يأخذوا فى الاعتبار العوائد المعنوية الروحية من التعامل الحلال وما يحدث فيه من بركات بسبب تقوى الله والالتزام بشرعه.

سادساً : يقول البعض أن بعض المصارف الإسلامية تتعامل مع عملاء لا قيم ولا أخلاق لهم ، مما يوقعها فى شبكة النصابين ، وأحياناً يقوم بعض العملاء بإدعاء التقوى والورع وحرصهم على التوبة من كبيرة الربا وعدم الرجوع إلى التعامل مع البنوك الربوية مرة أخرى ، استدراراً لعطف المصارف الإسلامية ، ثم بعد ذلك يدخلون فى بعض الأنشطة مع المصرف الإسلامى ثم يبتزون أمواله ويوقعونه فى مخاطر ، ويترتب على ذلك الإساءة إلى سمعته وسمعة القائمين على أمره .

إن هذه الشبهة لها أساس من الصحة ، ولاسيما أن خُلُق وسلوك وعاطفة المسلم أحياناً تؤثر عليه وهذا ما يحدث كثيراً ليس فقط فى مجال المصارف الإسلامية بل فى كل مجال إسلامي ، ويستوجب ذلك أن يكون لدى كل مصرف إسلامي نظام للمعلومات ، وإدارة للتثبت من صحة البيانات التي يقدمها العملاء وتغلب الموضوعية على العاطفة ، بالإضافة إلى هذا يمكن أن تتعاون المصارف الإسلامية سوياً فى إنشاء نظام معلومات عالمي عن العملاء وهذا أصبح ممكناً بعد انتشار شبكات الاتصالات المحلية والعالمية كما يجب عدم التهاون فى الحصول على الضمانات المناسبة الموضوعية .

سابعاً : يقول البعض أن بعض المصارف الإسلامية تأخذ مصاريف على القروض الحسنة التي تعطيها للمحتاجين تقارب أسعار الفائدة ، كما تتفاوت تلك المصاريف تبعاً لقيمة القرض ، وهذا يجر المصرف الإسلامى إلى التورط فى شبهة الربا .

فى هذا المقام يجب التفرقة بين نوعين من مصاريف القرض الحسن هما:

ـ المصاريف الفعلية المباشرة التي أنفقها المصرف على قرض معين بذاته يجب أن المصرف ولقد أجاز الفقهاء المسلمين ذلك .

ـ مصاريف القروض الحسنة غير المباشرة مثل نفقات قسم القرض الحسن وتتضمن الأجور والإيجار والقرطاسية ، ونحو ذلك ، فهذا نوع من المصاريف يلزم أن تحمل على القروض بشرطين هما :

1
ـ أن تؤخذ النفقة مرة واحدة فى بداية القرض ولا تتكرر .

2
ـ أن تكون مبلغاً موحداً على القرض بغض النظر عن قيمته .

ثامناً : من الدراسة ­الميدانية ، يلاحظ البعض أن بعض العاملين فى المصارف الإسلامية يفتقدون إلى القيم الإيمانية والأخلاق الإسلامية والسلوك السوي والكفاءة الفنية والثقافية والشرعية للأعمال المصرفية ، وخصوصاً الذين انتقلوا من البنوك التقليدية الربوية إلى المصارف الإسلامية .

وهذه الشبهة لها أساس من الصحة ، وفى هذا الخصوص نوصى بالآتي :

1
ـ وضع معايير إسلامية دقيقة لاختيار العاملين بالمصارف الإسلامية .

2
ـ الاهتمام بالتدريب المستمر للعاملين بالمصارف الإسلامية .

يتبين من التحليل السابق أن هناك بعض الانتقادات التي توجه إلى المصارف الإسلامية ، ولبعضها أساس من الصحة ، وأخرى مفتراة يمكن الرد عليها ، وهذا كله يمكن تجنبه عن طريق إعادة النظر فى سياسات المصارف الإسلامية والدعوة الواعية وتصويب لأخطاء التي يقع فيها المصرف الإسلامى .

ـ تقويم تجربة المصارف الإسلامية : الإيجابيات والسلبيات

مما لا شك فيه أن هناك إيجابيات عديدة للمصارف الإسلامية من أهمها ما يلي :

أولاً : التطبيق العملي لمفاهيم وأسس الاقتصاد الإسلامى فى مجال الصيرفة والاستثمار والتمويل والمساهمة فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية وهذا يبرز شمولية الإسلام .

ثانياً : انتشار المصارف الإسلامية فى معظم دول العالم الإسلامية وغير الإسلامية ، يعتبر من الأدلة القوية على عالمية الإسلام .

ثالثاً : إن قيام العديد من البنوك الأجنبية مثل ستى بنك وتشيس بنكبإنشاء بنوكاً إسلامية أو فروعاً إسلامية لدليل قوى على أن المستقبل هو للمصارف الإسلامية .

رابعاً : إن قيام العديد من البنوك المركزية بإصدار قوانين خاصة للمصارف الإسلامية وورود ضمن دوراتها التدريبية دورات خاصة للمصارف الإسلامية يعتبر من الإيجابيات نحو أسلمة النظم المصرفية .

خامساً : أدى اهتمام الجامعات العربية والإسلامية والعالمية بتدريس فقه ونظم المصارف الإسلامية واهتمام الباحثين بهذا المجال إلى تنظير الإطار الفكري لها وهذا فى حد ذاته طور التجربة .

سادساً : لقد ساهمت المصارف الإسلامية فى إحياء فريضة الزكاة ونظام القرض الحسنوكذلك المشروعات الاجتماعية ، مما أبرز دورها فى الرعاية الاجتماعية واستشعار الفقراء بها .

سابعاً : لقد فتحت المصارف الإسلامية أفاقاً جديدة أمام العلماء للاجتهاد كما أن اهتمام مجامع الفقه بذلك يعتبر تأكيداً على أن شريعة الإسلام تجمع بين الثبات والمرونة .

ثامناً : إن اهتمام المؤسسات المالية العالمية بالمصارف الإسلامية بين الحرب والدعم لدليل على أنها أصبحت واقعاً عالمياً له دوره فى المعاملات المالية العالمية .

وهناك إيجابيات عديدة أخرى يضيق بها المقام عن تناولها نظراً لضيق المكان وحدود المقام وما ذكر كان على سبيل المثال .

وبالرغم من هذه الإيجابيات إلاّ أن هناك بعض السلبيات والتي سببت العديد من الافتراءات والشبهات نذكر منها :

w عدم التزام بعض العاملين بالمصارف الإسلامية بالسمت الإسلامى أساء إلى التجربة .

w وقوع بعض المصارف الإسلامية فى بعض الأخطاء الجسيمة ، شوه صورة التجربة .

w عدم وجود استراتيجية واضحة لعملها فى إطار هدف وبرنامج عمل .

w ضعف التكامل والتنسيق بين المصارف الإسلامية .

وهذه السلبيات وغيرها يمكن التغلب عليها .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مدى مسئولية المراجع الخارجي عن اكتشاف الخطأ والغش والتصرفات غير القانونية بالقوائم المالية

الشرح المبسط لطريقة سمبلكس simplex

نظام ABC النشأة ، الأهمية ، إجراءات التطبيق